كان لكل صاحب فنٍّ مرسمه الخاص الذي يضم جملة من الفنانين يستأنسون برأي صاحب المرسم ويقتفون ذوقه، وكان إعداد كل صورة يُوكّل إلى من يناسبه من الفنانين، فمنهم من تخصص في تصوير مشاهد المعارك، ومنهم من تخصص في تصوير البورتريهات، ومنهم من تخصص في رسم الأولياء والنساك، والموسيقيين، ومنهم من تخصص في تصوير الطبيعة والطيور والحيوانات والنباتات. وبلغ من حرص أباطرة المغول على أن تُعَدّ الرسوم إعداداً فنيّا مسبقا أنهم كانوا يشاركون في هذا الإعداد.
لقد تأثر المصورون المغوليون بالتصوير الصيني كثيراً واقتبسوا عنهم نظرة فنية جديدة في التعبير، ولا غرو في ذلك فقد صحب المغول عدد من الفنانين الصينين كان لهم نصيب هام في تطوير التصوير بما لقنوه للمسلمين من أساليب تعبيرية جديدة وبما جلبوه معهم من صور اقتدى بها غيرهم، والسبب في انتشار المؤثرات الصينية هو استيلاء المغول على الإمبراطورية الصينية في القرن الثالث عشر الميلادي، فأصبح شرق آسيا وغربها تحت سلطانهم.
كان للمغول نظرة جديدة تهدف إلى صدق تمثيل الطبيعة وأنغامها، فرسمت الأشجار والمياه والجبال والأزهار والنباتات بشكل يحاكي الطبيعة، كما ظهرت عناصر جديدة اقتبست عن التصوير الصيني كالسحاب الصيني، وزهرة اللوتس، والحيوانات الخرافية كالعنقاء والتنين، ومن مظاهر الاختلاف الواضحة سَحن الأشخاص؛ فاختفت السحنة السامية والقمرية، وحلّت محلهما السحنة المغولية بعيونها اللوزية الضيقة المائلة، بالإضافة إلى الذقن والشارب المغوليين، وظهرت الملابس المغولية المطرزة بالأزهار والسحاب الصيني والحيوانات الخرافية، مع أغطية رؤوس السيدات والرجال كأنها القلنسوات والقبعات، كذلك استبدلت الخيول العربية بالخيول المغولية.
نلاحظ أن الصفات المميزة للتصوير المغولي لم تظهر من أول الأمر، بل مرت في مرحلة تمهيدية اختلطت فيها بالتأثيرات الصينية، إذ كان لا بد من مضي فترة من الزمن يتعود خلالها المصورون على الأساليب الجديدة، ويتمكنون من هضمها ومزجها بأسلوبهم الموروث، وتأتي بعد ذلك مرحلة المزج بين الأسلوبين في بوتقة التقاليد الموروثة، وفيها لا تصبح العناصر الصينية واضحة بل تكتسب ذاتية خاصة محسوسة في الصور، كما يلاحظ ظهور مميزات جديدة هي طابع المرحلة الثالثة إذ أصبحنا نرى الأشجار المزهرة والحدائق الغناء والأرض المتسعة التي تزينها مجموعات النباتات والأزهار والتلال الاسفنجية، وهو استمرار نحو التهذيب والروعة والإتقان والكمال.
لقد ساعد على ذلك عناية الأمراء بالفنون وحبهم لها وتقديرهم لأربابها، فمنهم من أسس مجمعا، جمع فيه المصورين والخطاطين والمّذهّبين وغيرهم، وأشرفوا بأنفسهم على شئون الفنانين والمصورين مع إبداء الملاحظات لهم وتزويدهم بالإرشادات، وكانت تعرض عليهم الأعمال أسبوعياً مما أثار المنافسات بين كل أمير وآخر لتجميل بلاطه والاستحواذ على الفنانين وجلبهم إلى البلاط، وهذا أمر لا يخفى أثره على المصورين أنفسهم فهو ولا شك باعث لهم على الإجادة والإتقان في عملهم، وأهم ما نجده من رسومات تتمثل في فصل الربيع بأشجاره المورقة وأزهاره المتفتحة وحشائشه اليانعة ورسم الجبال والمرتفعات على شكل الإسفنج، ومنها العناية برسوم العمائر ونقوشها وزخرفتها والنجاح في حفظ النسبة بينها وبين الأشخاص الظاهرين بجوارها أو بداخلها، وكذلك استخدام الألوان الساطعة الزاهية والتوفيق في الجمع بينها. وقد تنوعت الرسومات بين المناظر الطبيعية ومناظر المعارك الحربية تمثل عنف القتال في العصر المغولي ومن المظاهر التي شاعت أيضا الرسوم الشخصية، فكثير من الصور قصد بها تمثيل أفراد بعينهم، كما أن بعض الصور كان يقتصر فيها على شخص أو شخصين.
اكتسبت هذه الصور كثيراً من الرقة والجمال والإبداع في مزج الألوان وانسجام بديع لم نلحظه من قبل، ونجاح أكبر في تصوير الجموع، والحركات الحيوية التي تُضفى على الأشخاص المرسومين ومظاهر الغِنى والثراء في الأثاث والملابس الفاخرة، ومما تمتاز به نوع من غطاء الرأس عبارة عن عمامة مخروطية الشكل لها عصا طويلة وتصحبها أحيانا ريشة.
كما ظهر في أواخر القرن 16م أسلوب الرسم بالحبر الصيني وتمثيل الحياة الريفية، وتمثل معظم صور هذا العهد فتياناً وفتيات في قدود هيفاء وسحن قمرية، ومما تمتاز به جمال الرسوم والإتقان العجيب لطيات الملابس والعمائم الضخمة والأحزمة الكبيرة المتعددة الطيات، كما تأثر بعض الفنانين بالغرب في اختيار بعض الموضوعات فأقبل على رسم الأسرة المقدسة والملائكة والقديسين، وغيرها من المناظر الدينية المسيحية
أدوات الرسم للفن المغولي
تستغرق اللوحة زمناً طويلاً لإعدادها، يصل إلى سنتين أو أكثر في سبيل تجويدها، ولتبلغ أقصى حد من الجمال والتناسق، وكان لهؤلاء الفنانين صبية مهمتهم سحق الحجارة التي يتخذون منها الأصباغ مثل الملكيت الأخضر واللازورد الأزرق داخل الهاون، بعد تنقيتها مما يشوبها، كما كانوا يعدون الأصماغ والسوائل الغروية التي تُضفي على الأصباغ لزوجتها، وثمة أصباغ أخرى غير تلك الأصباغ الحجرية كانت تتخذ من الحمأ ومن عظام بعض الحيوانات والحشرات،
كما كانت هناك صبغة معدنية من الذهب والفضة والنحاس، وكانوا يستخدمون الورق، والنسيج القطني لرسومهم، وكان الورق يصنع من لُبِّ الشجر، ويختلف سمكاً ونعومة تبعا لنوع المادة المأخوذ منها، ومن المصورين من كانوا يفضلون الورق الثخين والعاجي اللون، وآخرون يؤثرون الورق الرقيق الفاخر المصنوع من نسج الحرير.
كان صاحب الفن يختار من المصورين من يستطيع أن يجسّد ما يخطر بباله، حتى إذا ما تمّ الاتفاق بين صاحب الفن والمصور يرسم الفنان لوحته في عُجالات تخطيطية، ثم يأخذ في تنفيذها النهائي بالمرسم، وللتيسير على ناسخي الصور لجأوا إلى "الأسلوب التنقيطي" وهو أن يعتمد المصور في تصميماته على رصيد موروث يشمل صوراً وأجزاء من صور، تحفظ بالمراسم أو بمكتبات رعاة الفن، عبارة عن عجالات تخطيطية ورسوم منسوخة من ورق شفاف، وورق مقوّى أو صفائح من المعدن فيها ثقوب تُعيّن الخطوط الرئيسية للرسم، ثم يوضع مسحوق الفحم على الثقوب فيترك أثره على الصفحة المنقول إليها الرسم، ثم يُكْمل الرسم بإمرار الريشة على ما بين الثقوب فيكوّن شكلاً متكاملاً، هذا للمصورين المبتدئين أو المقلّدين الذين لم يرقوا إلى درجة الرسامين البارزين، وبعد أن يفرغ الفنان من إعداد الصورة يُعطيها للمرقّنين الذين يُذهّبون حواشيها، ثم يكون أمر وضعها موكولا إلى رغبة الإمبراطور إما أن تضمها مرقعة (مضم الصور) وإما أن تضمها مخطوطة أو تعلق على الجدران.
Bookmarks